Résumé:
تقوم البلاغة بدراسة الخطاب بدءا من انطلاقه في اللغة وصولا إلى تقبله من طرف المتلقي، بينما تقوم الهرمينوطيقا بتحليل مسألة الفهم عبر الخطاب. ويمكن تحديد الفرق بينهما من الناحية التاريخية في مسارين كانا قد انفصلا ليتقاطعا ثم تقاطعا لينفصلا، فقد ظل اشتغال البلاغة على الخطاب لفترة طويلة مرتبطا بطابعه الاجتماعي والحواري المفتوح على الآخَر الضمني بوصفه شريكا ضروريا في بناء الخطاب نفسه، بينما أقامت الهرمينوطيقا وضعها المعرفي على العملية البين ذاتية (Intersubjectivité) بوصفها عملية تقود الذات إلى موضوعها لتعود إلى الذات نفسها،وبهذا يتحقق فهم الذات من خلال وساطة الموضوع دون شريكٍ هو الآخر المُغاير، وبذلك نصلُ إلى تقاطع مشاركتين: مشاركة بالحجة (البلاغة) ومشاركة بالفهم (الهرمينوطيقا)
يُذكّرنا ريكور Ricœur)بأنه "يجب الاعتراف أنه باستثناء هردرHerder، فإن فلسفة الذات صرَفت النظر عن الوساطة اللغوية التي تقوم بنقل طابعها الحجاجي حول مقولة أنا موجود، أنا أفكر" ، وهو ما جعل من مسألة تشييد الذات في الخطاب الفلسفي مسألةً يكتنفها العجز والتردد،كما تمَّ نفيُ الذات إلى غربة نفسها، بنسيان شروط الفهم وتاريخيته وطابعه الحواري وبينتهالتساؤلية، وهو ما يعني شرط الانفتاح على الآخر، وبهذا أشار غادميرGadamer)إلى أن "التأويل الرومنسي نظرَ إلى عملية الفهم على أنها لا تعتمد على نقل الذات إلى الغير، ولا على مشاركة الآخر. فأنْ نفهم كلام شخص ما، يعني أن نتفاهم على الشيء بذاته، وليس الانتقال إلى الغير، ونُلاحظ أن هذا السياق هو سياق لغوي كلياً (Sprachlich)، وبالتالي فإن مسألة الفهم ومعرفته بواسطة تقنيةٍ ما، مرتبطةٌ بقواعد اللغة وعلم البيان" ، وهذا يعني أنه لا تأويل من غير لغة، ولا يمكن التعرّف على الذات أنطولوجياً أو إبستمولوجياً إلا عبر الوسيط اللغوي الذي يمكننا أن نعتبره الوسط الحيوي لعملية الفهم ومجال تحركها، ومن ذلك يُنظر للفهم في انقذافه وغيريته وارتباطاته الخطابية.