Résumé:
يعتبر محمد أركون أحد أبرز وجوه الفكر الإسلامي المعاصر، الذي تصدى ضمن مشروعه الفكري الكبير بالبحث والتنقيب في ظاهرة كثيرا ما اعتبرت من الظواهر غير المفكر فيها وهي الظاهرة الإسلامية. لم يكن موقف أركون كسابقيه من حيث الطرح العلمي، بل تجاوزه إلى البحث في الجذور والمكونات المعرفية ومختلف القطائع التي صاحبت وأطّرت هذا الفكر على مدار قرون من الزمن.مستعينا في ذلك بأحدث ما وفرّته أدوات المعرفة العلمية والإبستمولوجية والنظريةبما أسماه علوم الإنسان والمجتمع، محاولا بذلك تطبيقها على المجتمع الإسلامي من أجل تقديم فهم أعمق وأشمل لملامح هذا المجتمع وبنيته، ضمن الإطار الأنطولوجي التاريخي، أي "تاريخية الفكر" وعلاقته بالراهن الاجتماعي والسياسي في توليده المستمر للمعنى، ولاشك أن هذه العملية ليست بالسهلة. فهي بمقدار ما تتطلبه من تعمق كبير في الفكر الحديث وتعرجاته المختلفة، فإنها كذلك تتطلب نوع من الشجاعة الفكرية والمرونة المنطقية التي غالبا ما تعرض صاحبها للمساءلة السجالية. بل وحتى الجماعية في مجتمعات ما زالت لحد الآن بعيدة عن الحداثة بمختلف أشكالها، تغوص في الأصولية والعصبيات التقليدية. إن المهمة التي كلف أركون نفسه عناء القيام بها لا تعدو مجرد إنطباعات لمفكر يريد أن يصف وضعيات مجتمعية تخترقها التناقضات، بل هي موقف نقدي من الفكر ذاته والمسلمات التي يقوم عليها. إنه الموقف من المجتمع الإسلامي منذ صدور الحدث الإسلامي كلحظة تدشينية كما يسميها هو، إلى وقتنا الراهن بوصفه استمرارا تاريخيا لتلك اللحظة في علاقتها بالحداثة بكل تعقيداتها. إذن فالمشروع الأركوني وفق هذا التصور هو اختبار نقدي للفكر في فهم جدلية الواقع الإسلامي في أبعاده المختلفة: الفلسفية و الإنتروبولوجية والسيولوجية، يا له من جهد كبير لمفكر كبير كرس معظم حياته لممارسة الفكر كمهنة والنقد كهويه لكشف الزيف الذي ألصقته به التلاعبات البشرية.