Résumé:
لم يسبق للسياسة عبر التأريخ أن ابتعدت عن الأخلاق بالدرجة التي عليها الآن، فإنساننا المعاصر يعيش في غابة شرسة، يتصارع فيها الجميع مع الجميع، ومن يحاول أن ينأى بنفسه عن الصراع، عليه الرضا بأن يكون هو الضحية لا وسطية، فإما أن تكون مفترِسا، أو مفترَسا،هكذايحدثنا واقعنا المريع . إن "نيتشه" لم يبعث من جديد، فيصور لنا العالم غابة شرسة أو ظلمة مكفهرة، لكن عالمنا هو الذي يصرخ بنا، بل يصفعنا بوقائعه المريرة التي نشاهدها كل يوم، لقد كانت "الفلسفة السياسية" فلسفة أخلاق بالدرجة الأساس. كما أن السياسة كانت فن قاعدته الأخلاق. فقد جاءت "السياسة" في رسالة "أرسطو" (حول الحكومة) كقسم تال ـ مباشرة ـ للـ "الأخلاق" (وكأنه ـ بهذا ـ يشير إلى شدة التلازم بينهما) فلم يفصل "أرسطو" ـ كما نفعل نحن الآن ـ بين السياسي والأخلاقي تتضح قوة الترابط بين السياسة والأخلاق عند أرسطو، هكذا وبعد أن بدأت السياسة ملازمة للأخلاق، وصلنا الآن إلى مرحلة يعتبر فيها ـ عمليا ـ المعيار الأخلاقي عيب من عيوب السياسي المعاصر، من يلتزم به يعتبر سياسي فاشل، أصبح منطق الربح والخسارة ـ فقط ـ هو الذي يحكم عمل معظم محترفي السياسة المعاصرين، دون أي دور حقيقي للمبادئ والأخلاق والشعور الإنساني، فالتضاد والتضارب في مواقفهم، والتغير في تحالفاتهم، والتشتت في ولاءاتهم، أصبح نهجا متأصلا ، فلئن كانوا على استعداد للتهالك، وإراقة ماء الوجه، والتذلل، والاستجداء؛ فهم على استعداد ـ أيضا ـ لأن يجسدوا الظلم والقسوة والقمع بأبشع الصور، هكذا و من اجل تسليط الضوء أكثر حول هده الإشكالية سوف نعمد إلي مناقشة نموذجين داخل الفلسفة السياسية الألمانية، نموذج امانويل كانط الذي بنى مشروعه الفلسفي على الأخلاق في مقابل نموذج نتشه ،الذي أقام فلسفة تجافي منذ البداية كل الاعتبارات الأخلاقية، ولا ترى النفع في شيء أكثر مما تراه في القوة، وفق التساؤلات التالية: - لماذا نزع كانط منزعا أخلاقيا في فلسفته السّياسية؟ - لماذا شنّ نتشهّ هجومه اللاّذع على أخلاقيات عصره و استبعد كل غاية أخلاقية من وراء أفعالنا؟