Résumé:
الاعتقاد السائد لدى الباحثين أصحاب النزعة التجريبية، هو أن العلم يمثل أرقي أشكال المعرفة الإنسانية. لما يتميز به من خصائص الموضوعية و الدقة و الوضوح، إلي جانب اعتماده على المنهج التجريبي كركيزة أساسية وراء نجاح أي نشاط علمي. فبفضل المنهج أثبت العلم قدرته على التنبؤ و التفسير و التحكم في الظواهر. وأصبح بذلك أساس كل نزعة علمية كونه الإطار الجوهري الذي تنتظم وفقه المعارف، و الأداة التي تمكن العلماء من اكتشاف معارف جديدة مع تبريرها. فصارت النظريات العلمية تستخلص بمنهجية استقرائية صارمة انطلاقا ممـــا تمــده الملاحظات و التجارب. واعتقد العلماء بموضوعية العلم، الذي لا ينفد إليه الشك، والمعرفة العلمية عندهم معرفة في جوهرها استقرائية المنهج. لكن مع ظهور الحركة الفكرية في فلسفة العلم المعاصرة ، وتساؤلاتها حول طبيعة العلم و آليات عمله وطبيعة المناهج، وكذا مشروعية النتائج المتوصل إليها أظهرت إمكانية الشك في قيمة هذا المنهج بسبب الصعوبات المنطقية التي اعترضت سبيله، ويعد دافيد هيوم أول من صاغ ما يعرف "بمشكلة الاستقراء" إذ كيف يمكن تبرير القفزة التعميمية من عدد محدود من الوقائع التجريبية إلي قانون عام و كلي، فانشغل العلماء بعد هيوم في البحث عن المبررات التي تجيز للعالم الطبيعي أن يؤسس قانون عام ينصرف على المستقبل، مع علمه أن عمله كله منحصر في أمثلة جزئية شاهدها في الماضي، فكيف يجوز له أن يقفز من المحدود إلي المطلق؟ وهل صدق الحالات الجزئية يبرر صدق الكلي لهذه الحالات؟