Résumé:
حين نقول عن الإنسان أنه منطقي في تفكيره، فما ذلك إلا لأنه يستخدم اللغة استخداما شعوريا، وما يرتبط بذلك من عمليات ذهنية من قدرة على التمييز بين الحق والباطل، الحكم على الأشياء بالصواب أو الخطأ واستنباط الأحكام والاستدلال على القضايا ،وهي كلها عمليات عقلية لا يمكن أن نشعر بوجودها أو نلمس آثارها بمعزل عن اللغة. ونحن حين نستخدم ألفاظا محددة في قضية أو مسألة ونسعى من ورائها إلى معرفة الأسباب والدلائل، وحين نصوغ مقدمات ويلزم عنها بالتالي نتائج ، فإن اللغة الاصطلاحية المنطقية هي التي تعيننا على استخدام تلك الحدود أو الألفاظ التي تسمى قياسا. ولقد استحوذ المنطق جل تفكير الفارابي، واتجاهه في جدله ومناقشاته في عرضه واستدلالاته وما ذلك إلا أنّ هذه الصناعة –كما يرى الفارابي – تكسبنا القدرة على تمييز ما تنقاد إليه أذهاننا أهو حق أم باطل،وإذا كان المنطق هو أساس الجدل السياسي، والجدل الفقهي والجدل الفكري،فإنه كان أساس علوم اللغة لأن إتقان الخطابة، وأساليب المجادلات يعد ضرورة لمن يرمي إلى إقناع الناس،فالأعمال الفكرية تنتظم ذهنيا بوسائل تعبيرية (لفظية) وتتدخل اللغة كأداة ضرورية لتحقيق التواصل بين الأفكار والبشر، المنطق إذا ضروري لكل من أراد أن يتفقّه في الدين أو يخوض معركة سياسية أو كلامية أو نحوية، فهذه صناعة دورها ودرجة ذيوعها، لا يمكن أن تعد دون العلوم في رأي الفارابي