Résumé:
إذا كانت الدراسات التاريخية تقوم على بحث أحوال الناس وأوضاعهم وحياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وتراثهم الثقافي وأدوارهم الحضارية في مراحل تطورها عبر الزمن، فإن الوصول إلى الحقائق التاريخية يتطلب الاستعانة بعدة مناهج وتخصصات تعتمد على النظرة الترابطية والتكاملية بين النظم والظواهر الاجتماعية الملازمة لها، وذلك بإرجاع الحقائق إلى حيثياتها التي لا يمكن لعلم واحد أن يحيط بها. ولقد اتسعت الدراسات الاجتماعية والإنسانية حديثا إلى مجالات لم تكن معروفة سابقا، وتعددت التخصصات نتيجة لذلك في تناول التجارب والأحداث والتي تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، كما تشعبت وتداخلت المناهج العلمية الخاصة بهذه العلوم مكملة بعضها بعضا للاستفادة منها في الحاضر والمستقبل، واختلفت هذه المناهج باختلاف مشارب أصحابها العلمية وتعددها، وباختلاف نظرتهم وتوجهاتهم الفكرية والعقائدية، بل والسياسة والاقتصادية والاجتماعية في أحيان كثيرة. لقد ظهرت الكثير من المجادلات والمشاحنات بين المؤرخين (علماء التاريخ ) والأنثروبولوجيين (علماء الإنسان)، وذلك في تغليب منهج على آخر، أو تخصص على تخصص، بإعطاء الأهمية له على حساب الآخر الذي ينتقص من أهميته ويمتهن خصوصيته العلمية والمنهجية، ومحاولة تغليبه وكأنه المنهج الوحيد الذي يجب إتباعه، والاعتماد عليه كلية في إقامة الدراسات والبحوث التي تعتمد على الأحداث المستقاة من الميدان خاصة، بل لقد ذهب بعض العلماء والباحثين (مجددين كانوا أو مقلدين)، إلى حد وصف من ليسوا على تخصصهم وملتهم العلمية بالمتطفلين والمتفقهين وأشباه العلماء. وعليه فقد دعى كثير من العلماء في كتاباتهم أو في مناهجهم لأحداث القطيعة مع الوسائل التقليدية للبحث، خاصة في مجال التاريخ والعلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى، كما دعوا إلى تضافر كل العلوم والمعارف من اجل هدف واحد وهو خدمة العلم والإنسان. من بين هؤلاء "مارك بلوك"،(2) الذي اشتغل بالتاريخ الريفي والإقطاعية وأشتهر بكتاب صدر بعد وفاته تحت عنوان: "ثناء من أجل التاريخ أو مهنة المؤرخ".(3) اهتم فيه بتحديث المناهج التاريخية