Résumé:
في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت اللغة البصرية تفرض نفسها على الساحة الثقافية، كعامل هام له القدرة على التأثير والسيطرة وتشكيل الوعي، أو حتى التلاعب به، لدرجة جعلت البعض يصف العصر الحالي بأنه "عصر الصورة" ويصف المجتمع المعاصر بأنه "مجتمع الاستعراض"والحضارة الحالية بأنها "حضارة الصورة".(2) اتخذت الصورة المتحركة شكلها الأول من السينما، ثم أصبحت اللغة السائدة في التلفزيون والكمبيوتر وألعاب الفيديو والإعلانات...لكن هذه اللغةتمارس سلطتها علينا من خلال عمليات صناعية معقدة وباهظة التكاليف، لا يدرك أسرارها إلا المتخصصين. والمشكلة "أن القليل من الناس هم الذين يقفون موقفاً نقدياً منها. أما الغالبية فهم يرونها وسيلة للتسلية والإبهار أو حتى للترويح واللعب، غير واعين أنها وراء هذه الأقنعة تمارس غزوها وتقوم باحتلالنا، وهذا هو مكمن خطورتها. وبتشبيه هذه الحالة باللغة المكتوبة والمنطوقة، فإنه يمكننا أن نعتبر الكثير منا أميين"(3) (دافيد كوك، 1999، ص9). وكما اللغة فإننا نستطيع أن نستوعب أشكالها دون أن نفهمها فهمًا كاملا. وهكذا فإن معظم الناس الذين يعيشون في مثل هذه الثقافة يصبحون معرضين لتحكم أي أقلية وسيطرتها عليهم، إذا كانت هذه الأقلية هي التي تمتلك وتحتكر وحدها فهم اللغة وإكسابها المعنى، وبالتالي فإنها سوف تمتلك سلطة المعرفة دونهم. لقد مرت الصيغ التعبيرية في الثقافة البشرية بأربع صيغ جذرية تمثل أربع مراحل مختلفة في التصور البشري، وهي: مرحلة الشفاهية، التدوين، الكتابة، الصورة. وقد خلقت مرحلة الكتابة حاجزا ثقافيا وتمييزا بين طبقات المجتمع (من يقرأ- من لا يقرأ). وقد جاءت الصورة في القرن العشرين لتكسر ذلك الحاجز والتمييز الطبقي فوسعت من دوائر الاستقبال وشمل ذلك كل البشر، لأن استقبال الصورة لا يحتاج إلى إجادة القراءة والكتابة كما في المرحلة الكتابية، وهو في الغالب لا يحتاج إلى الكلمات أصلا. وسعت الصورة من دائرة المشاركة الشعبية فهي لا تحتاج إلى خلفيات ثقافية عميقة لفك شفرتها والتعامل معها، وهي متاحة للجميع، ولا تحتاج إلى طقوس خاصة للتعامل معها.