Résumé:
يعد موضوع اللغة ذات أهمية بالغة في تاريخ الفكر البشري، كونها تمثل شرطا
ضروريا في تكوين الفكر البشري و تجسيده فعليا. كما لا يمكن معالجة أي مسألة كانت دون
وسيلة التعبير عنها إلا باستعمال الألفاظ اللغوية. بل كل نشاط بشري يبدو مستحيل دون
اللغة، فهي ال وسيط بين الإنسان والحقيقة، كما لا يمكن أن تشكل المعرفة الإنسانية وتطور
وتنتقل من زمان ومكان إلا بواسطتها. فهي على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي "جورج
1222 (" اللغة تأشيرة الدخول إلى الوطن - 9191( Gusdorf Georges " غوسدورف
الإنساني." 1
للغة مكانة مركزية في خدمة القضايا الفلسفية العلمية وتفسير قضايا الواقع مما يخدم
المعرفة و الإنسان .
إن علاقة اللغة بالفلسفة علاقة قديمة، إذ لا يخلو عصر من العصور بإسهامات التطور
الحضاري دون أن يقاس بدرجة إهتمامه باللغة . وقد تجلى هذا الإهتمام أكثر منذ العصر
اليوناني خاصة ضمن الجدل السفسطائي و المحاو ا رت السق ا رطية والأفلاطونية وضمن
أعمال أرسطو اللغوية. وفي الحضارة الإسلامية مثلث اللغة مقدمة أو مدخلا أساسيا لجميع
العلوم ، وحظيت بإهتمام مت ا زيد منذ القرون الوسطى إلى عصر النهضة، وصولا إلى جهود
فلاسفة اللغة و المنطق في القرن التاسع عشر و القرن العشرين . إذ لم تعد اللغة مجرد
موضوع للتأمل و البحث الفلسفي بل أضحت مكونا أساسيا في منهج البحث المعرفي ذاته،
ولها القدرة على الإسهام المتجدد في فهم كثير من قضايا الفكر و الواقع وفي تفسيرها وفي
توجيه مسار البحث الفلسفي و العلمي .
ومن الإنجا ا زت الفلسفية التي إتسمت بالتأصيل والتجديد في المضمون والمنهج، ما
Wittgenstein Ledving" قدمه لنا الفيلسوف النمساوي المعاصر" فتجنشتاين لودفيغ
1 Gusdorf Georges, la parole, P .U.F, paris , 1977 , p.46.
مقدمة
ب
9199-9881 ( في مجال فلسفة اللغة منذ أعماله الأولى خاصة ضمن مُؤَلَفه " رسالة (
منطقية فلسفية" ) سنة 1291 (، فهو الذي يرى أن الإشكالات الفلسفية هي بالأساس
إشكالات لغوية . و لقد أصبح حضوره فاعلا و مؤث ا ر في دوائر الفكر و الثقافة الغربية خلال
النصف الأول من القرن العشرين ، من خلال مواقفه الفلسفية و اللغوية وتأثيرها في القف ا زت
العلمية الكبرى و التحولات الإجتماعية و السياسية و الثقافية في المجتمع الأوروبي .
فلقد أخد "فتجنشتاين" من اللغة موضوعا للد ا رسة ، و من التحليل المنطقي منهجا
لها ، ليجعل مهمة الفلسفة تنحصر في التوضيح المنطقي للأفكار بغية معرفة الحدود التي
يجب أن تستخدم فيها لغة الفيلسوف بطريقة ذات معنى ، و بالتالي إقصاء ما لا معنى له
من سياق الفكر الفلسفي ، إذ يمكن القول إنه كان يهدف إلى جعل الفلسفة علمية ، ترتكز
على المشاكل القابلة للحل بدل الخوض في إشكالات لا أمل في حلها ، و من ثمة ركز
على المعنى من خلال العلاقة بين اللغة و العالم ، و بذلك ، فتحليل اللغة يرتبط إرتباطا
وثيقا بتحليل العالم ، و بالكيفية التي نفسر بها الواقع الخارجي ، بما أن اللغة تعد الصياغة
اللفظية أو الجهاز الرمزي الذي نعبر به عن أفكارنا في إرتباطها بالواقع . فبواسطة اللغة
يستطيع الإنسان فهم و تفسير العالم الخارجي و جعل مكوناته في نسق من الأفكار
ا ولقضايا التي يتوقف صدقها أو كذبهاعلى مدى مطابقتها للواقع .
فعلى ضوء ما سبق التطرق إليه ، تستوقفنا الإشكالية التالية :
- كيف نظ ر " لودفيغ فتجنشتاين" لإشكالية اللغة ؟ و هل إستطاع ، بإعتماده على منهج
التحليل المنطقي ، ضبط حدود المعنى و إ ا زلة الغموض الذي يكتنف اللغة و جعلها ناصية
قادرة على التعبير عن معطيات العالم الخارجي ؟
وعليه تتفرع الإشكالية العامة هذه، إلى الإشكاليات الفرعية التالية :
- كيف ساهمت الفلسفات السابقة حول اللغة في تطور فلسفة اللغة عند"لودفيغ فتجنشتاين"؟
مقدمة
ج
- كيف أثر الفلاسفة السابقون في أفكار "فتجنشتاين" وتطورها ؟ وما هي التأثي ا رت الفلسفية
اللغوية لكل من "فريجيه" و " ا رسل" في فكر "فتجنشتاين"؟
- فيما تتمثل الفلسفة اللغوية عند "لودفيغ فتجنشتاين"؟ وهل يعد تأثيره فاعلا في دوائر الفكر
اولثقافة للمجتمع الأوروبي والمجتمعات الأخرى ؟
- هل تشكل اللغة محو ا ر رئيسيا في فكر كل من "أوستن" و "زكي نجيب محمود"، واذا كان
الأمر كذلك، فما هي بنيتها ؟ وما طبيعتها ؟ وما أثر فلسفة "فتجنشتاين" في بلورة الفكر
الفلسفي لديهما؟
وعليه يمكن استنباط جملة من فرضيات الد ا رسة و التي يمكن حصرها فيما يلي:
- الفرضية الأولى تنص على أن المشكلات الفلسفية ليست تجريبية بل هي مشكلات
مفهومية و منطقية ترتبط أساسا باللغة، التي هي نظام من الرموز، صاحبها لا يبذل أي
جهد لتقديم أي موضوع للغير. وكما يقال:" نقدم الكثير بالقليل". وهذا النظام، في الوقت
نفسه، يخص مجتمع معين وقد يمتد تأثيره إلى العالمية. لهذا نقول أن اللغة خاصية إنسانية
لأن الكلام يشكل ماهية الإنسان .
- والفرضية الثانية تتمثل فيما يمكن لنا القول أن " فتجنشتاين" قدم لمسة جد مهمة في
مجال اللغة حيث اعتبرها الإطار الذي ينظم من خلاله الإنسان أفكاره و يعطي لها معنى
واضح ، خال من الغموض و الإبهام.
- كما أن هناك فرضية ثالثة تنص على أن هناك صعوبة في الفهم، تظهر من خلال
غموض الكلمات، و بدلك علينا بذل جهودا كبيرة في تفكيكها من أجل فهمها، وأيضا نشير
مقدمة
د
إلى وجود عجز عن التعبير عما يجول في ذاتنا مما ينتج وجود عث ا رت في الإتصال بغيرنا
نتيجة إفتقارنا للكلام .
- بينما هناك فرضية ا ربعة تنص على أن اللغة هي صورة الفكر ولا يوجد حدا فاصلا
بينهما، بل إنهما شيء واحد. لا بل وجهان لعملة واحدة .
أما فيما يخص منهج الد ا رسة المتبع في هذا البحث، فهو المنهج التحليلي بالدرجة
الأولى، لكونه أنسب لطبيعة الموضوع. فهو تحليلي أثناء عرض مواقف "فتجنشتاين"
اللغوية، وهذا لا يحول دون توظيف المنهج المقارن والتاريخي في سياقات محدودة،
انطلاقا من الفلسفات السابقة والإرث الفكري الذي خلفه "فتجنشتاين"، خاصة في مجال
فلسفة اللغة.
وفيما يخص الد ا رسات السابقة باللغة العربية عن فلسفة "فتجنشتاين" بشكل عام، وعن
فلسفته اللغوية بشكل خاص، فإنها ليست وافية، بل تكاد تكون منعدمة، لو قورنت باهتمامات
المفكرين والباحثين الع رب بفلسفات أو مواضيع فلسفية أخرى. ويمكن تلخيص أهمها فيما
يلي:
-1 "لودفيغ فتجنشتاين ") 1291 ( تأليف : "عزمي إسلام"، يتناول فلسفة "فتجنشتاين" في
شكل عام ، مرك ا ز على المرحلة الأولى بطريقة تحليلية .
-1 المتشابهات الفلسفية لفلسفة الفعل عند "فتجنشتاين" ) 1299 (، ل "محمد مجدي
الجزيري".
مقدمة
ه
يعالج هذا الكتاب إشكالية اللغة عند "فتجنشتاين "، مرك ا ز على نظرية ألعاب اللغة.
-3 " لودفيغ فتجنشتاين") 1223 ( لمؤلفه "كامل محمد عويضة" .
-4 المنطق واللغة والمعنى ) 9002 ( للدكتور "رشيد الحاج صالح "، يعالج هذا الكتاب
إشكالية المعنى عند "فتجنشتاين" و دلك في صلتها بأفكاره المنطقية.
-2 فلسفة اللغة عند "فتجنشتاين") 9002 ( للدكتور "جمال حمود"، هو بحث مفصل
ومفيد عن فلسفة فتجنشتاين اللغوية في المرحلة الأولى .
-9 فلسفة و قضايا اللغة لمؤلفه "بشير خليفي" ) 9010 (، ق ا رءة في التصور التحليلي
وهو محاولة لفهم ومساءلة عن خصوصية التناول الفلسفي لموضوع اللغة، كإضافة
تمدها فلسفة اللغة لمختلف فروع المعرفة .
أما في الأدبيات الغربية لاسيما للعالم الأنجلوسكسوني، فإن فلسفة "فتجنشتاين" تحظى
بجاذبية قصوى واهتمام بالغ، بدرجة يصعب حصر تلك الد ا رسات التي تتناول هذه الفلسفة
بشكل عام أو تعالج جانبا من جوانبها كموضوع اللغة مثلا .
كما أن وردت هناك عدة كلمات مفتاحية تتطلب الشرح نذكر من بينها:
الفلسفة التحليلية: تيار واسع الانتشار مهمته تحليل اللغة، رواده ينتمون للوضعية المنطقية
وغاياته بناء لغة نموذجية مصطنعة ذات بنيان منطقي محدد.
مقدمة
و
اللغة العلمية أو الرمزية المثالية: تصور في الوضعية المنطقية يعني كل مصطلح وصفي
يمكن ترجمته إلى لغة الفيزياء. أما القضايا التي لا يمكن ترجمتها إلى لغة دقيقة، تعتبر
خالية من المعنى العلمي.
الوضعية المنطقية : منهجا للتحليل المنطقي اللغوي والذي يقوم على التمييز بين الغامض
والواضح، من خلال تحليل العلاقات الخارجية القائمة بين المعاني، للقضاء نهائيا على
المشكلات ال ا زئفة و المفاهيم الخاوية و القضايا الكاذبة .
هو حركة فلسفية سيطرت على الفكر « Linguistic Turn » : المنعطف اللغوي
الأنجلو- أمريكي في القرن العشرين، وما ميز هذه الحركة هو أن كل القضايا تعالج من
خلال اللغة. إذ أصبحت اللغة هي المركز، إذ لم تكن كل فلسفة . ومن دعاة هذه الحركة،
نذكر: "ميكاييل دوميت" و"جون أوستن" ... وغيرهما.
نشأت في أوائل العشرينات 1299 . هي جماعة من : «Vienna circle » حلقة فيينا
العلماء وفلاسفة بجامعة فيينا، وهي غير رسمية، ي أ رسها "موريس شليك" ومن أعضائها
البارزين : "رودولف كارناب"، "فريدريك وزمان" و"أثوني ا رت" ...و آخرون.
مفهومها يؤكد على وجود كثرة من الأشياء Atomisme logique : فلسفة ذرية منطقية
الفردية وتنكر أي وحدة أو تكامل في وقائع العالم، من روادها الأوائل " ا رسل" و" فتجنشتاين".
مدرسة في التحليل الفلسفي وهي فرع من : Ecole de cambridge مدرسة كامبرج
الوضعية المنطقية. ترى أن التعبير على المفهوم الذي يجري يجب تحليله بواسطة مفهوم
مقدمة
ز
مختلف، له نفس المضمون. ولقد كان "جورج مور" هو مؤسس هذه المدرسة مقرها بجامعة
"كومبرج".
لمعالجة إشكالية هذه المذكرة ارتأيت تقسيم م ا رحل البحث إلى مقدمة وأربعة فصول كل
فصل يحتوي على تمهيد، مبحثين وينتهي كل منهما بخلاصة مختصرة، وتختزل النتائج
أخي ا ر ضمن خاتمة. فكانت الخطة على النحو التالي :
المقدمة: تضمنت تقديما لفكرة الموضوع واشكالية البحث، مع إد ا رج الإشكاليات الفرعية
وطرح الفرضيات الممكنة أو القابلة للإثبات التي تتطلب الإجابة عنها في الفص ول التالية:
اولمقصود به عرض الجذور « جينيالوجيا وكرونولوجيا اللغة » : - الفصل الأول المرسوم ب
الأساسية التي ساهمت في وجود فلسفة اللغة عند "فتجنشتاين" ضمن سياق هام يتعلق بنشأة
الفلسفة التحليلية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع التركيز على تحول
هذه الفلسفة إلى منهج لغوي يتخذ من اللغة موضوعا للتحليل المنطقي.
ويشمل هذا الفصل على مبحثين هما:
للتحديد ماهية اللغة وجوهرها . « جينيالوجيا اللغة » : - المبحث الأول
للبحث عن الأسس التاريخية للغة . « كرونولوجيا اللغة » : - المبحث الثاني
و ي ا رد به « " الأصول الفلسفية لفلسفة" لودفيغ فتجنشتاين » : - الفصل الثاني: المرسوم ب
عرض الجذور الأساسية التي ساهمت في بلورة فلسفة اللغة عند "فتجنشتاين " .
ويشمل هذا الفصل المبحثين التاليين :
« تأويلية" فريجيه" اللسانية »: - المبحث الأول
« " التحليل اللغوي عند " ا رسل » : - المبحث الثاني
يتناول عرضا .« " فلسفة اللغة عند "لودفيغ فتجنشتاين »: الفصل الثالث المرسوم ب
مختص ا ر لحياة " فتجنشتاين" ومساره الفكري الذي أدى إلى تكوين موقفه اللغوي .
مقدمة
ح
ويشمل هذا الفصل مبحثين هما :
يعالج الموقف اللغوي الأول ل « النظرية التصويرية في المعنى » : - المبحث الأول
"فتجنشتاين". الذي له علاقة بالمشروع اللغة المثالية التي أسسه "فريجيه" و" ا رسل" .
يعالج فلسفة اللغة عند "فتجنشتاين" في المرحلة .« نظرية ألعاب اللغة » : - المبحث الثاني
الثانية من تطوره الفكري. الذي دعى إلى اللغة العادية التي تعد وسيلة مثلى لصياغة
الأفكار، و التي تكون في متناول الرجل العادي .
يتنا ول عرض لبعض النظريات . « " ما بعد "فتجنشتاين » : - أما الفصل ال ا ربع المرسوم ب
التي استلهمت أفكار "فتجنشتاين" ومنهجه التحليلي .
ويشمل هذا الفصل المبحثين هما :
يعالج مشروع " أوستن" الذي ينص « أوستن" ونظرية أفعال الكلام " » : - المبحث الأول
أن جميع الجمل اللغوية قول وفعل في الوقت نفسه.
يعالج اللغة بإعتبارها حدث « " فلسفة اللغة عند "زكي نجيب محمود » : - المبحث الثاني
طبيعي مادي ، كما أنها ظاهرة اجتماعية ذات بعد ثقافي حضاري .
الخاتمة : تتضمن نتائج البحث بما يمكن أن يخدم الإشكالية المطروحة ويحقق أهداف
البحث، من خلال النتائج التي توصلنا إليها، لتعميق فهم الإنجا ا زت اللغوية ل "فتجنشتاين"
ورصد قيمتها ومكانتها.
كما أنني لا ادعي أنني سلكت الطريق الأنسب لمعالجة الإشكالية، أو أنني استوفيت
الموضوع حقه، بل أتوقع أن في هذا العمل بعض الإخفاقات وربما كثير من النقائص. إلا
أن اكتشافها سيدفعني لا محال إلى المزيد من البحث لتصحيحها وتعديلها.