Résumé:
يأتي علم المنطق في طليعة العلوم العميقة التي أفرزتها الحضارة الإغريقية، والتي
عرفت انتشارا واسعا لدى الحضارات الأخرى، ونخص بالذكر ىنا الحضارة الإسلامية التي برع
فييا الكثير من الفلاسفة الذين أعطوا عناية فائقة ليذا العمم من بينيم أبو نصر الفارابي)260
-339ه)المسمى بالمعمم الثاني، والمعمم الأول ىو أرسطو )383ق.م-300ق.م) كما ىو
معروف، قال عن ذلك (ابن خمدون828-730ه) في مقدمتو: "إن أرسطو ُسمي بالمعمم الأول
لأنو ىَّذب وجمع ما تَفََّرق من مباحث المنطق ومسائمو.. وسمي الفا اربي بالمعمم الثاني لما قام
صة
بو من تأليف كتاب يجمع وييِّذب ما ترجم قبمو من مؤلفات أرسطو خا " .1دون أن ننسى
أحد المطورين ليذا الفن كما تنظر إليو أحد الاتجاىات والذي خصصنا لو ىذه المذكرة، فمن
يكون؟
إنو الطبيب والفيمسوف، الشيخ الرئيس ابن سينا(308-372ىـ). قال عنو أحدىم:
"كانت قيمتو قيمة مفكر ملأ عصره..وكان من كبار عظماء الإنسانية عمى الإطلاق".2
يصف(ابن سينا) المنطق بأنو خادم العموم لأنو آلة ليا ووسيمة إلييا، وأطمق عميو في
كتابو منطق المشرقيين اسم العمم الآلي، لأنو آلة العموم أي منيجيا العام في أي بحث.3
وبالرغم من أن المنطق ليس من السيل تناولو و الغوص في خباياه، إلا أن عقلا كعقل
فيمسوفنا لم يقف دون ىضم ىذه المعرفة الصورية ىضما عميقا.
الغرض من البحث:
من الأسباب والدوافع التي حفزتنا عمى القيام بيذا البحث أسباب ذاتية تتمثل في
الميولات المنطقية ليذا النوع من المعرفة العقمية الممتعة. وأسباب موضوعية تتمثل في
الإشارة إلى إسيامات المفكرين العرب في النيوض بالمعرفة في مختمف المجالات و
خصصنا ىنا مجال المنطق.
1الموسوعة الفمسفية المختصرة، نقميا عن الأنجميزية فؤاد كامل وآخرون، راجعيا زكي نجيب محمود، دار القمم بيروت، ص.088
2قدري حافظ طوقان، العموم عند العرب، مرجع سابق، ص757
3عبد اليادي الفضمي، مذكرة المنطق، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي إيران، مقدمة المؤلف.المقذمة
ب
إننا نسعى من خلال ىذا البحث إلى تحقيق جممة من الأهداف: كشف الانجاز
المنطقي لابن سينا المتمثل في تطويره لنظرية القياس، عمى اعتبار أن نظرية القياس
وخاصة المركب منو لو من الأىمية في المنطق قديما و حديثا، كما سنحاول الكشف عن
الإنجاز الذي قدمو ابن سينا في إبداعو لمنطق القضايا الاقترانية الشرطية والتي كانت
الدراسة الأولى من نوعيا، كما سنعرج عمى التغييرات التي أدخميا عمى القياس الاستثنائي.
الدراسات السابقة والصعوبات:
إن بحثنا ىذا ليس الأول من نوعو، بالرغم من تناولنا لو من زاوية مختمفة، فقد سبقته
مجموعة من الدراسات وان كانت محتشمة، فيو موضوع ميم لما يكتسيو المنطق من أىمية
في الفكر الفمسفي. فأما الكتب التي تتحدث عن ابن سينا فإننا نجد معظميا يعالج منيجية
البحث عند ابن سينا فيما يتعمق بالطبيعيات والطب عمى الخصوص، أو تم فييا التعرض
إلى المنطق عند ابن سينا ولكن بصيغة مجممة كما في كتاب المنطق السينوي لجعفر آل
ياسين، ومن الكتب التي تطرقت لمنطق القضايا المركبة نجد كتابا واحدا لزكريا منشاوي
نما
الجالي ولكنو لم يعرض لنا أنواع القضايا المركبة بالتفصيل كما عالجيا ابن سينا وا
اقتصر عمى بعض النماذج والأمثمة، في مقابل نجد من الرسائل التي تطرقت لممنطق
السينوي رسالة الماجستير لمطالب محمد عجوط، كذلك مذكرة لي بعنوان القياس الاقتراني
الشرطي عند ابن سينا وان كانت ىذه المذكرة تظير من ناحية العنوان مطابقة لممذكرة التي
أنجزناىا فإن الفارق كبير بينيما سواء في طريقة المعالجة أو حتى في الفصول التي أثرناىا
نظ ار لاعتمادي عمى كتاب الشفاء الذي لم يتوفر لي من قبل والى التركيز عمى منطق
القضايا المركبة قبل ابن سينا بدل المنطق عامة قبمو.
وجراء ىذه الصعوبات كان من الضروري الاستعانة بما كتبو بعض المناطقة المسممون
بعد ابن سينا، فاستعنا بكتاب البصائر النصيرية لـ عمر بن سهلان الساوي، والى الجزء
اليام الذي كتبو الدكتور الفاضل محمود يعقوبي ) ( -1931حول القياس الاقتراني
الشرطي، و"الذي برع في عرضو وضبط قواعده المنطقيون العرب دون سواىم من القدماء
والمحدثين، مما يمكن أن يعد مساىمة ىامة في إثراء نظرية الاستنتاج وتوسيع صورىا النادرة
الجريان عمى ألسنة الناس والمفكرين، إلا أنيا أصمح من غيرىا لمتعبير عن كثير من صورالمقذمة
ج
التفكير العممي بمعناه القديم والحديث أيضا" 4ىذا العمل سيل عمينا إلى حد ما ميمة انجاز
الفصل الخاص بالأقيسة الاقترانية الشرطية، خاصة أن الأستاذ أورد أمثمة بالمغة الطبيعية
والتي كان قد عبر عمييا ابن سينا بالمغة الرمزية )الحروف الأبجدية(.
رغم ىذه الصعوبات يمكن أن أقول أنني جازفت في تناول ىذا الموضوع، وما زادني
إصرارا عميو إضافة إلى كونو موضوعا خصبا، فيو لم يتمق البحث الكافي الذي يستحقو
كونو إسيام عظيم لابن سينا.
الإشكالية:
هل صحيح أن محاولات ابن سينا المنطقية ما هي إلا تكرار للأورغانون الأرسطي، وأن
المنطق التقميدي ُولد كاملا وأنه لم يتقدم خطوة واحدة منذ أرسطو كما يعتقد الفيمسوف
الألماني (كانط)؟ إذا كان الأمر صحيحا، ماذا نقول عن إسهامات الرواقيين قبل أن نقول
شيئا آخر عن ابن سينا؟
الفرضيات:
الفرضية الأولى:
تدور حول مساىمة الرواقيين من خلال نقد المنطق الأرسطي خاصة ما تعمق بالتصورات،
الأمر الذي أدى إلى بروز القضايا الشرطية(المركبة).
الفرضية الثانية:
إن ابن سينا قدم الجديد في دراستو لمنطق القضايا المركبة، ولم يكن مجرد مترجم لممنطق
الأرسطي الرواقي، بل عمد إلى تجاوزىما بنظرة جديدة، سمحت لو بطفرة نقمتو من مجرد
دارس ومدرك لممنطق الصوري إلى الإبداع فيو من خلال مساىمة جادة اتسمت بالتطوير
في نظرية القياس بصفة خاصة.
ونتحهيم هذه الإشكانية وانتحقق من صدق فزضياتها، اقتزحت ثلاثة فصىل رأيتها مناسبة.
4محمود يعقوبي، دروس المنطق الصوري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الثانية، .7999مقدمة الطبعة الثانية.المقذمة
د
وقبل عرض الفصول أشير إلى محتوى المقدمة التي حاولنا فييا تقديم صورة عامة عن
البحث من خلال الإشارة إلى اىتمام ابن سينا بالمنطق وتخصيص جزء ىام من مؤلفاتو ليذا
الفن.
الفصل الأول: والذي كان عنوانو القضايا المركبة قبل ابن سينا و فيو حاولنا أن نؤسس
لمدخل لمقضايا المركبة، وذلك من خلال عرض تناول القضايا المركبة عمى السابقين عمى
ابن سينا والتي لم تكن مجيولة قبمو وانما وجدت لدى السابقين عميو وذلك عمى مرحمتين:
ففي المبحث الأول: والذي كان عنوانو القضايا المركبة قبل الرواقيين تحدثنا عن القضايا
المركبة قبل الرواقيين عند كل من بارمنيدس، ميمسيوس، زينون الإيمي، بوتاغوراس،
أرسطو و ثاوفسطراطس.
أما في المبحث الثاني: والذي كان تحت عنوان القضايا المركبة عند المغاريين والرواقيين
ومن بعدهم فقد عرجنا عمى إسيامات الرواقيين والمغاريين في القضايا المركبة وسوف تشيد
دراسة القضايا المركبة وثبة ميمة مع كل من ديودور، فيمون وأبوليد، إذ تميز المنطق
الرواقي بالصورية المفرطة ما دفع ببعض الفلاسفة أمثال جالينوس إلى انتقادىم كونيم
اىتموا بالعبارات دون الأشياء وسوف نرى كيف أنو أعيد الاعتبار لممنطق الرواقي مع إعادة
تأويمو مع كل من بروشار و لوكازيفيتش كما سنتحدث في ىذا الفصل عن منطق القضايا
المركبة من العصر القديم إلى بداية العصر الحديث والذي لم يشيد مساىمات كبيرة في
المنطق.
أما الفصل الثاني فقد جاء كان بعنوان القياس الاقتراني الشرطي أردنا أن نوضح إسيامات
ابن سينا في تطوير القضايا المركبة من خلال إبداعو لنظرية القياس الاقتراني الشرطي الذي
لم ينتبو إليو احد قبمو والمتكون من خمسة أنواع وذلك من خلال ثلاثة مباحث:
في المبحث الأول والذي كان عنوانو أشكال القياس الاقتراني الشرطي وقواعد تأليفه
حاولنا فيو التطرق إلى تعريف القضية و ذكرنا أنواعيا. ثم عددنا أشكال القياس الاقتراني
والشرطي وىي ثلاثة فقد رفض ابن سينا الشكل الرابع واعتبره بعيدا عن الطبع، كما عدد
أصناف القضايا الاقترانية فمنيا المؤلف من متصمتين وآخر مؤلف من منفصمتين كما قدالمقذمة
ه
يتركب بين منفصمة ومتصمة أو بين متصمة وحممية أو منفصمة وحممية وحاولنا تعداد أىم
الضروب المنتجة في كل صنف من الأصناف، إضافة إلى ذكر قواعد تأليف كل صنف.
أما في المبحث الثاني و الذي كان عنوانو تلازم القضايا الشرطية وعكسها فقد بينا كيف
جعل ابن سينا التلازم بين القضايا المركبة بعد أن عددىا بأربع وستين ضربا لممتصمة
وتتلازم الأنواع الستة عشر من السالبة الكمية مع الأنواع الستة عشر من الموجبة الكمية كما
تتلازم الجزئيات الموجبة مع السالبة منيا، وفي المقابل يوجد أربع وستون ضربا في
الشرطيات المنفصمة وقد تتلازم الشرطيات مع المتصلات، وقد عرجنا أيضا عمى العكس في
القضايا والذي يكون عمى وجيين إما عكس استقامة أو عكس نقيض.
المبحث الثالث جاء بعنوان جدة الأقيسة الاقترانية فقد بينا من خلالو أصالة ىذا النوع من
الأقيسة والتي لا ترجع أج ازؤىا إلى الموضوع والمحمول وانما إلى النسبة بين المقدم
والتالي والتي لا تكون عمى سبيل المزوم فقط وانما عمى سبيل الاقت ارن، وقد اتضح أن
ىذا القياس ىو إبداع خالص لابن سينا ظيرت فيو عبقريتو.
قد جاء ىذا الفصل أوسع من الفصمين الآخرين كونو يحوي الإضافات الحقيقية التي قدميا
ابن سينا خاصة في كتاب الشفاء.
وأخيرا يأتي الفصل الثالث الذي ورد بعنوان القياس الاستثنائي و قياس الخمف عرجنا من
خلالو عمى اىتمام ابن سينا بالأقيسة الاستثنائية التي كانت معروفة لدى الرواقيين بالأقيسة
الشرطية، وكذلك قياس الخمف.
المبحث الأول كان عنوانو القياس الاستثنائي عرفنا في ىذا المبحث القياس الاستثنائي من
ىذا الفصل القياس الاستثنائي وذكرنا أنواعو و ىي ثلاثة قياس استثنائي متصل تكون بين
طرفيو علاقة لزوم و قياس استثنائي منفصل تكون بين طرفيو علاقة عناد و قياس مركب
تكون فيو القضية المستثناة شرطية أو حممية.
المبحث الثاني والذي كان عنوانو قياس الخمف كان الحديث عن قياس الخمف الذي
يتركب من قياسين أحدىما اقتراني والآخر استنتاجي.
ثم تأتي الخاتمة لتتضمن أىم النتائج التي توصل إلييا البحث حيث اكتشفنا فييا أن منطق
القضايا المركبة لم يوجد تاما وانما مر بم ارحل وخصصنا بالذكر مرحمة ابن سينا ومن قبموالمقذمة
و
كما استنتجا أن ابن سينا لم يسبقو أحد إلى الاقترانيات الشرطية وأنو أضاف لمقياس
الاستثنائي مما يقتضي عدم إىمال مرحمة ابن سينا في الإبداع المنطقي.
منهجية البحث:
لمعالجة الإشكالية العامة وما تفرع عنيا من مشكلات جزئية كان عمينا إتباع منيج معين في
معالجة الإشكاليات والمنهج المستخدم في ىذا البحث ىو المنيج الاستقرائي، وكذا
الإستعانة بالمنيج التاريخي كما تطمب الأمر كذلك.
إلا أن الأمر لم يكن سيلا بإتباع ىذا المنيج، ذلك أن القارئ لكتاب الشفاء يجد صعوبة
في الفيم السريع لأسموب الشيخ الرئيس كونو يكتنفو نوع من التعقيد، في حين أن كتاب الإشارات
والتنبييات كان مقتصرا عمى لمحات خفيفة رغم وضوح الأسموب فيو مقارنة مع كتاب الشفاء. أما
كتبو الأخرى فكان فييا الحديث عن المنطق بصيغة مجممة.المقذم