Résumé:
استهل الله تعالى تسعا وعشرين سورة -من القرآن الكريم- بحروف مقطعة لفظا، متصلة كتابة، كانت محط اهتمام العلماء من كل الفئات، تولاها القراء من ناحية النطق بها ومخارج حروفها وصفاتها، وتعرض لها النحاة بالإعراب والجدل في مسائلها الخلافية، وتصدى المفسرون لمعانيها. وتحرز بعض العلماء من الخوض فيها لما يؤدي ذلك من محاذير ينبغي الاتقاء منها. ونقاشات العلماء حول هذه المادة المكونة من خامات صوتية _هي مادة هذا البحث_ كما مثلت بؤرة ترميز حاول كثير من الشراح الظفر بفك شيفراتها،فكيف كانت تخريجاتهم الدلالية لهذه الحروف؟وما هي دواعي تباعدها وتواليها، وتنويعها وتناسب السور المفتتحة بما تشابه منها؟ وماهي طريقة النطق الصحيح بها، وكيف يتم الامتثال للظواهر الصوتية التي تحكمها عند التجاور ؟
ومن أجل ذلكاستهللنا بحثنا بمدخل عرضنا فيه فنون الاستهلال عند العرب شعرا ونثرا ووجدنا أن للاستهلال أهمية كبرى لا يستغني عنها ناثر ولا شاعر وقد أحيطت باهتمام النقاد قديما وحديثا وأسفر هذا الاهتمام عن علم قائم بذاته هو علم العتبات عند جيرار جينات، وله ما يوازيه في الثقافة العربية وهو ما تحدث عنه حسين النصير ببراعة الاستهلال وفن البدايات، ووقفنا على هذا الفن في الشعر والخطابة والمسرح والرواية كي نمهد دعامة متينة نقف عليها عندما نصل إلى أنواع الاستهلال في القرآن الكريم في الفصل الأول وفصلنا في تلك الأنواع إلى أن وصلنا إلى النوع المنشود وهو الاستهلال بالحروف المقطعة، فوقفنا على عددها وأنواعها وترتيب سورها حسب النزول ، وترتيبها حسب المصحف الشريف،وتقصينا استعمالات العرب للحروف المقطعة في الشعر الجاهلي ، وحالات إعرابها وبنائها ، وفي الفصل الثاني المختص بالجانب الدلاليحاولنا أولا الوقوف على الرأي القائل بأنها من المتشابه الذي لا ينبغي الخوض فيه وتم عرض أدلتهم العقلية والنقلية، وبعد الخلوص منها تفرغنا للرأي الثاني - وهو الرأي القائل بوجوب تفسيرها- وعن هذا الرأي تفرعت وتشعبت تخريجات دلالية لاتكاد تنضب إلى هذا العهد فميزنا بين المنطقي المقبول منها وبين الغريب المتروك واحتكما في كل هذه الآراء إلى ما يقتضيه العقل إذ افتقر النقل إلى التواتر ووصف في أغلبه بضعف السند، ولم نغادر هذا الفصل حتى وقفنا على المناسبات التي تجمع بين السور المفتتحة بذات الحروف أو ما تشابه منها ووجدنا في ذلك من التناسق ما لا يخفى على عاقل ومن خلال ذلك عرفنا أيضا سبب الترتيب الذي يبدو للوهلة الأولى عشوائيا لكنه في حقيقة الأمر يعكس تناسقا أقل ما يقال عنه أنه معجز، وقد تم بعد ذلك الخلوص إلى الفصل الثالث ليتم الحديث عنالاختلافات في قراءاتها وما أسفر عنه من اختلاف في إعرابها ومسائله الخلافية الناجمة عن اختلاف تخريجاتها الدلالية، ثم تحديد مخارج أصوات هذه المركبات ومقاطعها وإحصاء ترددها في سورها وفي القرآن كله، مع معرفة متعلقات الفاصلة بها