Résumé:
بعد اشتغالنا الجاد على موضوع " تداوليات الخطاب الصوفي في ديوان – أسرار الغربة – لمصطفى محمد الغماري"، من خلال هذه الدراسة المقتضبة.. يمكن أن ننتهي إلى مجموعة من النتائج تسنى لنا الوقوف عليها من منطلق الاختبار و التحليل، و نذكر منها ما يلي:
1- يعتبر التصوف جانبا من أخصّ جوانب الحياة الروحية في الإسلام، و هو تجربة و سلوك قبل أن يكون مذهبا و فكرا، ذلك لأنّه تعميقًا لمعاني العقيدة، و استنباطًا لظواهر الشريعة، و تأملا لأحوال الإنسان في الدنيا، و تأويلا للرموز.
2- لا بدّ للصوفي من قطع طريق مكوّن من مراحل هي المقامات و الأحوال التي يجتازها المريد كالتوبة و الرضا و غيرهما ... و هي فضائل و حالات نفسية و أخلاقية، تتأتى له نتيجة مجاهدة النفس و كبح شهواتها، فيترقى السالك عن طريق المجاهدات النفسية و الرياضات الروحية و الالتزام بتوجيهات الشيخ للوصول إلى معرفة الله و محبّته.
3- يتعمّد الشاعر الصوفي سلوك سبيل الرمز، و الكناية، و الإشارة و التلميح ليحمل بين طيات خطابه الشعري ما لا حصر له من الدلالات الخاصة .. و لعلّ أبرز هذه الرموز الصوفية هي إشاراتهم للذات الإلهية بمحبوبات عربيات شهيرات مثل: ليلى، هند، سلمى، لبنى ... الخ.
4- ثمّة شعراء جزائريون معاصرون رسموا مشهدًا شعريا متميزا، و عبّروا عن التجربة الشعرية الجزائرية، و أسمعوا صوتها للقارئ العربي أمثال: عز الدين ميهوبي، يوسف وغليسي، عبد الحميد شكيل، عيسى لحيلح، مصطفى الغماري ... إلخ.
5- تأثّر لفيف من شعراء الجزائر المعاصرة بالتجربة الصوفية، فشهدت دواوينهم حضورًا مكثفا و متنوعا للرمز الصوفي،و منهم: مصطفى الغماري في " أسرار الغربة" و عبد الله العشي في "مقام البوح" ..
6- شهد الرمز الصوفي في شعر مصطفى الغماري تحولا دلاليا من البشري الدنيوي إلى الروحاني الغيبي، لا يمكن بلوغه إلاّ من خلال التأويل.
الخاتمة: - 166 -
7- من تمظهرات الرمز الصوفي في الشعر الجزائري المعاصر عامة، و في تجربة "الغماري" الشعرية خاصة، هيمنة أنواع بارزة منها: الحبّ الإلهي و الخمرة و المقامات و الأحوال و السفر المقدس و الغربة و الاغتراب ..
8- ديوان "أسرار الغربة" لمصطفى الغماري من الدواوين النادرة في الشعر الجزائري المعاصر التي تفردت بالرمز الصوفي، الذي ارتبط غالبا بالعقيدة الإسلامية.
9- مازال حظ الخطاب الصوفي ضئيلا من النقد الجزائري المعاصر، غير أنّ هذا لا يعني عزوف النقاد عنه، فالعديد من الأقلام المعاصرة العربية و المستشرقة، ما فتئت تطالب بإعادة قراءة النص المقدّس قراءات حداثية فضلا عن تسليط البحث على شخصيات صوفية متعددة بتخريجات تأويلية مثيرة للجدل.
10- تظلّ التجربة الشعرية الجزائرية فتية في حقل الرمز الصوفي لكنّها مع ذلك أبدت تجاوبًا حسنًا، إن على المستوى الفكري أو الفني غير أنّ نضجها يبقى رهن الجهود الإبداعية و النقدية المكثفة.
11- أولى الشاعر مصطفى الغماري عناية خاصة بالموروث الصوفي و هو بذلك إنّما يعبّر عن الروابط المتينة بين التجربتين الصوفية و الشعرية من خلال استدعاء مفاهيم صوفية كالمقامات و الأحوال، و السكر و الصحو و السفر و الغربة و شخصيات متصوفة كالحلاج و بن عربي.
12- لقد نشأت التداولية – كما سبق بيانه – في غير استقرار، و تعددت روافدها و مصادرها، مما أثرى مدونة تعريفها، و جعل منها تداوليات عدّة، و لكنّ التداولية التي تعني النص الأدبي هي التداولية اللسانية التي تقوم على المقاربة و الإقناع و تبحث في العلاقات بين المبنى و المعنى من أجل تحقيق التواصل.
13- إنّ التداولية تصلح لتكون منهجًا إجرائيًا مميزًا لمقاربة الخطابات، يتفرع عن حقل معرفي هو علم اللسانيات المحسوب على المنظومة المعرفية الغربية.
14- لعلّ أهم ما يقدمه المنهج التداولي هو تخليص النص الأدبي من هيمنة التأمل في نظامه و تراكيبه (لسانيات الجملة)، و الانتقال به في المقابل إلى (لسانيات النص) ليتجاوز النظرة الأحادية إلى النظرة التداولية التي تَعُدُّ النص خطابًا تواصليًا.
الخاتمة: - 167 -
15- توجد ثمّة ملامح تداولية في تراثنا العربي، و لا سيما المباحث الأصولية، و لكن بمصطلحات تراثية، و من ثمّ نعتبر أنّ بريقها كطرح جديد محدود بالنسبة إلينا.
16- تقوم التداولية على دراسة المعنى الذي يرمي إليه المتكلم من خلال ما يقول، و كذا تحليل عمليات الاستدلال التي يقوم بها المتلقي و هو يتلقى الخطاب حتّى يصل إلى المعنى المقصود.
17- إنّ اهتمام التداولية أعمّ من اهتمام علم الدلالة، فعلم الدلالة موضوعه المعنى في حدّ ذاته، أمّا التداولية فتدرس الاستعمال اللغوي في الطبقات المقامية المختلفة، أي تتناول ذلك المعنى من قبيل التداول.
18- يمكن دمج الوظائف اللغوية مع الأفعال الكلامية، لأنّ هذه من تلك، على الرغم من أنّ اللسانيات التداولية تنطلق من مبدأ هام هو أنّ لسانيات الكلام (ترتكز على الفعل) و لسانيات اللغة (ترتكز على النظام).
19- إنّ اللّغة الشعرية أكثر احتمالية للإجراء التداولي من غيرها، لما تحتويه من علاقات بين العلامات و الدلالات، مما يسمح للأدلة اللّغوية بالتحول، و يفتح أمامها أبواب التأويل.
20- شهد الدرس اللساني من خلال التداولية انفتاحًا ملحوظًا على المنطق و الحاسوب و الذكاء الاصطناعي و علم النفس الإدراكي و علم الاجتماع معرفيا و منهجيا قصد فهم أمثل للظاهرة اللسانية و الملكة التبليغية للكائن البشري.
21- إنّ القراءات الجديدة للخطابات المتنوعة، بما في ذلك المقاربة التداولية تتبنى مبدأ القراءة الخلاقة و الحوار الفعّال مع النصوص، مما يجعل الإبداع نصًا مفتوحًا قابلاً للتأويل اللامتناهي، المتعدد بتعدد آفاق توقعات القراء، لكنّه ليس ضربًا من فوضى التفسير، أو اللعب الحرّ، أو الركض على الأجناب كما هو الحال عند أنصار التفكيك ..
22- إنّ الإجراءات التداولية و التطبيقات النصية تسهم في إثبات نصية الخطابات الشعرية المنجزة ، و من ذلك الخطاب الصوفي .. كما أنّها لا تفسر كيفية بنائها، و نموها الموضوعاتي و أدوات اتّساقها فحسب، بل تفسر نوعية العلاقات التواصلية القائمة بين المتكلم (المبدع) و المتلقي عبر النص الإبداعي المنتج، و كذا نوع الأفعال اللّغوية
الخاتمة: - 168 -
المنجزة في مقامات التواصل المختلفة .. فمقاربتنا لديوان "أسرار الغربة" لمصطفى الغماري، علاوة على تمسّكها بجهاز المفاهيم و المقولات و الإجراءات النصية التي أفرزها الدرس النحوي في مجال تحليل الخطاب، و التي تقود في مجملها إلى تفسير تماسك النصوص .. و كيفية بناء المقاطع و نمو الموضوعات نحو تحقيق أغراض تخاطبية معينة، تثير مسائل جمالية و نفسية و اجتماعية و حضارية تعبّر عن انسجام النصوص مع السياق العام، و ربّما جاز لنا عدّها حلقة متصلة شكلا و مضمونًا في المسلسل الإبداعي النصي الصوفي الجزائري، فبالرغم من اختلاف البنى الجزئية الظاهرة، إلاّ أنّها تحيل إلى بنية دلالية واحدة ..
و هذا ما استخلصناه من مقاربتنا لـ "ديوان أسرار الغربة" من خلال إجراء تداولي
و تحليل نصي يخرج باللّغة من إطار الجملة بصفتها الوحدة الكبرى إلى إطار أرحب تمثل الجملة لبنة من لبناته و هو النص.
و هكذا فقد حاولنا سبر أغوار الخطاب الشعري الجزائري، فرصدنا مفاهيم بعض الرموز العرفانية، و مدى تجليها في مدونتنا " ديوان أسرار الغربة" التي تمظهرت فيها الإشارة لتهمين على العبارة .. كما سعينا إلى إعادة قراءة بعض نصوصها تداوليًا .. و ما دامت الكتابة النقدية في أرقى مستوياتها لا تعدو كونها احتمالا، نجزم أنّ ما ورد في بحثنا من رؤى نقدية ما هو إلاّ مقاربة خاصة .. فنحن لا ندّعي الإتيان بالقول الفصل، بل نحسب أنّ ما توصلنا إليه من نتائج من شأنه أن يكون عاملاً محفّزًا على المزيد من الدرس والتمحيص والإثراء ...