Résumé:
إننا نعيش إحدى أهم المحطات التاريخية على مر العصور، محطة تتسم بالتحولات والتغييرات السريعة التي أحدثت انقلابا حقيقيا في بنية المجتمع المعاصر بمختلف ميادينه ومؤسساته، تغييرا في طرق عمله وأنماط تفكيره وأساليب عيشه ونظم تعلمه وسائر علاقاته وعاداته وتقاليده، حيث فرضت هويات جديدة وحروب وثورات افتراضية، جراء التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية، كما أحدثت نقلة نوعية في مجال وسائل الإعلام المرئية شكلا ومضمونا، وأتاحت إمكانية الاختيار وحرية الإطلاع في ظل التنوع والتعدد، مما أكسبه أهمية كبيرة وانتشارا واسعا في كافة أنحاء العالم، كما خلفت آثار في المنظومة القيمية الحاكمة لسلوك الأفراد وتصرفاتهم وثقافتهم.
وعليه، ففي ظل التقدم الهائل في مجال التكنولوجيا والمعلوماتية والتطور الكبير لتطبيقاتها تزداد المخاوف يوما بعد يوم، وخاصة بعد صعود الصورة كوسيلة اتصال وتحكم قائمة بذاتها والتي أصبحت تحتل مكانة وأهمية كبرى في الاتصال والتواصل بين البشر بعدما كانت مجرد محتوى مكمل للرسالة الإعلامية، مما زاد الاهتمام بها وخصص لها مبالغ مالية ضخمة وتقنيين وفنيين لإدارتها، حيث دشنتعهدا جديدا لثقافة جديدة هي ثقافة الصورة التي أضحت أمرا مفروضا علينا، تقتحم بيوتنا وتؤثرفي ثقافتنا وأفكارنا وهويتنا من خلال ما تحمله من دلالات ورموز وقيم وما تتميز به من جمالية وجاذبية تثير دهشة وانبهار المتلقي بشكلها على حساب مضمونها.
وبهذا يمكن القولإن التغيرات السريعة قلبت كل الموازين وأدت إلى بروز النزعة المادية في مقابل فراغ قيمي وأخلاقي كبير، وذلك من خلال ما تقدمه وسائل الإعلام المرئي من محتوى سطحي في ظاهره إلا أن مضمونه يحمل العديد من الأفكار والقيم التي تسعى إلى ترويجها الجهات المالكة والمتحكمة في طبيعة الخطاب المرئي، باستخدام أمهر الأساليب وأحدث الوسائل التكنولوجية المتاحة، مما خلق فجوة كبيرة ومسافة بين الدول المتحكمة في وسائل الإعلام المرئي وبين مستهلكيها، والذي أصبح يعرف بدول الشمال ودول الجنوب، حيثأضحت هذه الأخيرة عبارة عن سوق مفتوح لكل المنتوجات الغربية مما أثر سلبا في البنى القيمية والأخلاقية والثقافية والعقائدية.
وبناء عليه، تكتسي دراستنا أهمية بالغة في كونها ترتبط بالتطور الرهيب في تقنيات وتكنولوجيا الاتصال ودورها في وسائل الإعلام المرئي، وتأثير الصورةفي واقعنا الثقافي على حساب القيم، وذلك من خلال الوقوف عند العديد من القيم والدلالات والمعاني الخفية التي يحملها فيلم "أفاتار"، مع الكشف عن الخلفيات الأيديولوجية المناهضة للاحتلال والتحكم من خلال صورة جذابة ومبهرة مصنوعة بتقنيات جد عالية.
وقد حاولنا في هذه الدراسةالإجابة عن السؤال الموالي: كيفيؤثر الإعلام المرئيفيمنظومة القيم لدى المتلقي من منطلق الصورة؟.
ومن أجل الوصول إلى الأهداف المرجوة اعتمدنا في دراستنا على المنهج السيميولوجي أو مقاربة التحليل السيميولوجيالذي يبحث عن الدلالات الخفية والرسائل الضمنية التي تحملها وسائل الإعلام المرئية، ويسعى للكشف عن أهمية الصورة ووظيفتها باعتبارها أداة إعلامية، بالإضافة إلى تقنيات ومؤثرات أخرى تحمل أبعاد دلالية خاصة.
حيث وقع اختيارنا على فيلم "أفاتار" للمخرج جيمس كاميرون والذي له علاقة مباشرة بموضوع دراستنا فهو يحمل العديد من القيم الإنسانية والاجتماعية والجمالية والمادية...غيرها، حيث تطرق إلى قضية عالمية صالحة لكل زمان ومكان، وفي المقابل طريقة تقديم كوكب خيالي ساحر باستخدام أحدث التقنيات، حيث حاولنا التركيز على كلا الجانبين من موضوع الدراسة: جانب مضمون الفيلم وما يحمله من قيم، والبعد الفني للصورة المتمثل في العناصر المكونة لها.
وعلى ضوء ما سبق ينقسم عملنا إلى ثلاثة أطر: الإطار المنهجي والذي يبين إشكالية الدراسة وتساؤلاتها، ومفاهيمها، ونتبع بأهمية الدراسة وأهدافها، ونلحقها بمنهج الدراسة المعتمد والمتمثل في المنهج السيميولوجيونحدد مجتمع الدراسة وعينته، وتأتي بعد ذلك الدراسات السابقة.
أما الإطار النظري فينقسم إلى ثلاثة فصول: ففي الفصل الأول نتطرق لهجرة الإعلام المرئي إلى العصر الرقمي ومفاهيم الثورة الرقمية وأبعادها ومخاوفها، وفي الفصل الثاني نستعرض إشكالية دراسة القيم، كما نتناول أيضا خصائص ومكونات القيم من جهة، ومن جهة أخرى سنتطرق إلى أزمة القيم في عصر الصورة المرئية، أما الفصل الثالث يكون الحديث فيه حول إدراك الصورة في السينما وتوظيفها من خلال التطرق إلى ماهية الصورة وأنواعها ومجالات استخدامها، وكذلك البعد الفني والجمالي للصورة السينمائية، وأخيرا الصورة المرئية وتأثيرات فيالنظم الرقمية، أما فيما يخص الإطار الرابع يخصص للجانب التطبيقي والمتمثل في التحليل السيميولوجي لفيلم "أفاتار" للمخرج جيمس كاميرون.