Résumé:
تهدف هذه الدراسة الموسومة بعنوان " الأسرة النووية و روابط القرابة في الوسط الحضري" إلى إبراز أهمية الأسرة الجزائرية قصد محاولة فهم واقع البنيات الأسرية و علاقات القرابة في الوسط الحضري، من خلال المقاربة الإجتماعية، فقد تم التركيز في هذه الدراسة على أبعاد التغير الإجتماعي و الثقافي و الإقتصادي و الديمغرافي و الحضري على الأسرة من الناحية البنائية الوظيفية.
إنطلاقا من هذا الطرح يتمحور الإشكال الرئيسي للدراسة حول التساؤل المركزي الآتي:
ما هو واقع روابط القرابة للأسر النووية داخل الوسط الحضري ؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من الوقوف على البنية الأسرية و علاقاتها الإجتماعية الأولية، و محاولة تفسير أهم التغيرات الحاصلة في المجتمع الجزائري، مع قياس العلاقة بين المتغيرين، لذا فقد تم الإعتماد على الفرضية الرئيسية والتي تشكلت من خلال الإستقراء للتراث النظري حول الموضوع وهي على النحو الآتي:
"تتسم روابط القرابة في المدينة بنوع من الإزدواجية بين التقليد و التغيير من حيث المحافظة على العلاقات الإجتماعية التقليدية (القرابة) من جهة، وإقامة علاقات جديدة خارج إطار القرابة من جهة أخرى".
و يندرج تحتها مؤشرين يتضمن كل مؤشر مجموعة من الفرضيات وهي:
أولا: المؤشرات الخاصة بالجانب الإجتماعي و الثقافي:
- طبيعة علاقات الإجتماعية للأسرة الحضرية الجزائرية منحصرة مع جماعاتها القرابية، وبالتالي تعد الأسرة النووية في الوسط الحضري أغلبها نووية في بنيتها و ممتدة في وظيفتها و علاقاتها.
- تعتبر روابط القرابة في الوسط الحضري بطاقة تعريف لهوية الأسرة داخل وحداتها القرابية و مكانتها داخلها فهي مرجع لأصولها و فروعها .
ثانيا: المؤشرات خاصة بالوسط الحضري و إستعمالاته:
- الإنفتاح على العلاقات الإجتماعية الجديدة .
- المناطق السكنية الحضرية الجديدة أثرت على الخلفية الإجتماعية و الثقافية للأسرة و علاقاتها القرابية.
- علاقات القرابة في المدينة أساسها المصلحة المتبادلة و خلق نوع من العلاقات لا تظهر إلا في المناسبات مثل(المأتم، الأفراح) و قلتها أساسها تلاشي الأسرة الممتدة على حساب المراكز الحضرية الجديدة.
للتأكد من صحة الفرضية و مؤشراتها تم تحديد الإطار النظري و الإلمام بالتراث السوسيولوجي و كل ما يخدم الجانب النظري، و إجراء دراسة ميدانية لتدعيم الجانب النظري، وقد تم إختيار مدينة تيارت كمجال للدراسة، بإختيار أحد الحياء الجديدة الحضرية "حي الأتراك"، لأن نجاح أي دراسة ميدانية يتوقف بالدرجة الأولى على الإختيار الدقيق للعينة الممثلة لمجتمع البحث، لذا إخترنا أسلوب العينة العشوائية كونها تفي بهذا الغرض، لما يتوفر عليه مجتمع البحث من تجاوب لتغطية الخصائص التي تتطلبها الدراسة.
أما أسلوب إختيار العينة فقد تمت العملية من خلال التواصل المباشر مع المبحوثين و تقديم الموضوع وشرح الأهداف المراد الوصول إليها، طلبنا منهم ملأ الإستمارة و تم تسليمهم إياها بعد إبدائهم الموافقة دون الإلتزام بمعيار معين في الإختيار، حيث يقدر عدد الإستمارات المسلمة 150 إستمارة.
إستنادا لطبيعة موضوع الدراسة تم إعتماد المنهج الوصفي التحليلي كأسلوب من أساليب التحليل، وأدوات جمع البيانات و المعطيات المتمثلة في الملاحظة و الإستمارة، أما أسلوب تحليل المعطيات المتعلقة بالأسرة النووية و روابط القرابة في الوسط الحضري فقد تم الجمع بين الأسلوب الكمي و الأسلوب الكيفي في تحليل البيانات و ربطها بالجانب النظري، بهدف التعبير عن العلاقات بين متغيرات الدراسة تعبيرا كميا و كيفيا،و طرح جملة النتائج العامة و الجزئية التي تحدد مدى الصدق الإمبريقي لفروض الدراسة.
فقد إعتمدت الدراسة في عرض البيانات على:
- الجداول البسيطة: تتمثل في الجداول التكرارية التي تعرض المتغيرات الأحادية و تتضمن التكرارات و النسب المئوية.
- الجداول المركبة: تتمثل في الجداول التي تعرض العلاقة بين متغيرين.
- الأساليب الإحصائية: إعتمدت الدراسة في تحليل البيانات على النسبة المئوية لمعرفة التكرارات لمختلف متغيرات الدراسة لدى الأسر المدروسة.
نتائج الدراسة:
توصلت نتائج الدراسة إلى:
- أن المناطق السكنية الحضرية الجديدة أثرت على الخلفية الإجتماعية و الثقافية للأسرة و علاقاتها القرابية وهذا من خلال أهم النقاط المتحصل عليها في ميدان الدراسة.
- تفضيل الأسر النووية الإستقلال المجالي و الإقامة في سكنات فردية تتلائم مع طبيعة نمطها و حجمها.
- أن الحياة الحضرية و ما تقدمه من راحة و إستقرار وظيفي يساهم و يشجع على تحديد حجم الأسرة والإنفراد بمسكن خاص.
- تصميم السكنات الجماعية في الأقطاب الحضرية الجديدة الذي يستوعب عدد معين من الأفراد ساهم بشكل كبير في إنتشار الأسرة النووية و خلق نوع من العلاقات تتماشى مع الحياة الحضرية في نفس الوقت تساهم في تضعيف علاقات التبادل بين الأقارب .
- للعوامل الإقتصادية و الوضعية المهنية و الإجتماعية للأسر النووية دور في إستقلاليتها مجاليا عن العائلة الكبيرة و تضييق دائرة العلاقات الإجتماعية، وبالتالي خلق واقع يسمح بنمو الفردية و الإنعزالية والإستقلالية والتي تشجع بدورها على تلاشي العلاقات القرابية.
- إنفصال الأسر المبحوثة عن الأسرة الممتدة يرجع إلى أزمة السكن و الإبتعاد عن المشاكل العائلية بالدرجة الأولى.
- سيطرة النزعة الديمقراطية على مناقشات الأسرة و إختفاء علاقة التسلط بين الآباء لتحل محلها العلاقة الديمقراطية.
- تؤدي العلاقات الإجتماعية الجديدة إلى تعدد جماعة المصلحة و الروابط الثانوية و تنوعها في البيئة الحضرية، ما ساهم في قوة التفاعل و دعم الروابط بالآخرين خارج الحدود المحلية للمجاورة كالأصدقاء و الرفاق...، وبالتالي الإنفتاح على العلاقات الإجتماعية الجديدة.
- كشفت الدراسة أن للإسكان الحضري دور في إضعاف علاقات الجوار المكاني للأقارب نظرا لقوى السوق و المنافسة في مجال الإسكان والتي أدت إلى تشتت هذه الجماعات فيزيقيا ومن ثم لا تجد علاقات الجوار ما يدعمها من علاقات أخرى كالقرابة ، فقد قضت الحياة الحضرية على النظام الأخلاقي الذي كان يدعمها، ويظهر ذلك من خلال الإحاطة بالروابط المحلية و التأكيد على العلاقات الإستقلالية بين الجيران و الأصدقاء بالحي.
- إستطاعت الأسرة النووية في المدينة ضبط نفسها أمام كل التغيرات والتطورات الحاصلة في المدينة، كما أن روابط القرابة رغم تذبذبها داخل الوسط الحضري إلا أنها لا تزال تحتفظ بمكانتها رغم تراجعها وضعفها عند البعض، وهذا نتيجة إستبدالها بعلاقات إجتماعية جديدة والتي إعتبرت كمكمل لروابط القرابة ،كونها لا تجعل الفرد في حالة من العزلة وتحظي بالقرب المكاني و الإجتماعي والثقافي، كما أنها تخلق نوع من الراحة النفسية بين الأفراد، وعليه لا يمكننا إستبعادها أو تجاهلها داخل المدينة بإعتبارها اليوم من الضروريات التي يحتاجها الفرد للتكيف مع الحياة الحضرية.
- ساهمت تكنولوجية الإتصال الحديثة وخاصة الإنترنت في خلق واقع آخر غير الواقع الحقيقي أو غير المجتمع الحقيقي والمعروف بإسم المجتمع الإفتراضي، الذي يحتوي على أفراد عبر شبكة الإنترنت يتحدثون ويتحاورون بكل عفوية وتلقائية دون أي قيود وفي الغالب تنشأ بينهم إهتمامات مشتركة وعلاقات إجتماعية متنوعة، فقد سجلت الأسر النووية نسبة 92% مدى تأثرها بوسائل الإتصال الحديثة على الأسرة و علاقاتها الأولية ( عملية التواصل القرابي)، و الإنفتاح على علاقات إجتماعية جديدة و التي نجدها في الغالب بعيدة مجاليا، حيث تولد عن توسع هذه الشبكة الإجتماعية الإفتراضية أثار كبيرة على بنية العلاقات الإجتماعية وعلى طبيعتها التي كانت ترتبط بالمكان والزمان والوجود المادي، أين أصبحت اليوم إفتراضية في الفضاء الإلكتروني الذي لا يرتبط بحدود جغرافية ولا إجتماعية، بالإضافة إلى عدم وجود ضوابط لها تتناسب مع ديننا الحنيف وقيمنا وعاداتنا ومبادئنا التقليدية الثابتة، إلا أننا لا يمكننا تجاهل إيجابياتها في تنمية المهارات الحياتية والسلوكية والإجتماعية وإكتشاف المواهب والقدرات الشخصية وتنميتها، وإتاحة الفرصة للتعلم الذاتي.
- تعد الخدمات و البنى التحتية مؤشر هام من حيث توفر المرافق والخدمات والتي تعتبر من أبرز خصائص المدن المتحضرة، و لتقيم الوضع حول مدى رضا الأسر بالوسط الحضري فقد أبدى 61.33 % راضاهم، ما يشير أن التوسع العمراني في مدينة تيارت يراعي خصائص البيئة الحضرية بشكل كبير.
- أما عن قضاء أوقات الفراغ والعطل لدى الأسرة الحضرية فقد سجلت نسبة 36,66 % يقضونها في المنزل ونسبة 26,66 % عند الأقارب، ما يفسر أن الأسرة في المدينة أصبحت تهتم بتنظيم الجانب الترفيهي و المعنوي في أوقات الفراغ و العطل في محيط الأسرة كالذهاب إلى أماكن التسلية و الترفيه و الحدائق العامة، حيث أصبحت هذه الأمور من أهم مقومات حياة الأسرة النووية في المدينة.