Résumé:
تراوح تعامل النقاد العرب المعاصرين مع النص الأدبي الكلاسيكي (التراث الأدبي) في المجمل بين مقارب/ قارئ له في ضوء مناهج النقد المعاصرة بتغليب إجراءات المنهج ومقولات النظرية ضمانا لموضوعية التحليل وضبطا لعلميته فيما يشبه المثال الامبريقي في العلوم الحية. فريق آخر حاول مراعاة خصوصية النّصّ الأدبي فرجّحت نوعيّة قراءته وإن بغير تصريح وتقويل كفّة التراث - ولو بميل قليل- وإن كنا لا نعدم في الأساس تبنيه المحترس لما أملته ضروريات هذا المنهج أو ذاك من أدوات على اختلافها وتطورها من البنية إلى التفكيك/ من النقد إلى القراءة ليمنح نفسه صفة المنهجية وصبغة الأكاديمية المنشودة.
وفي أتون الصراع (التخفي وراء المنهج وتغليبه، و محاولات إخفائه وتغليب التراث عليه على هذا النحو من الترتيب المبسّط لما سبق ذكره) برز بعض النقاد الذين حاولوا المراوحة بين هذا الفضيل وذاك، بتبني ما يمكن تسميته بالفعلية النقديّة الحرّة المنتجة التي انطلق أصحابها من وعي بخصوصية النص وسياقاته وأنساقه الثقافية من جهة، ومن احتواء وإدراك لمتطلبات المنهج وما يمكن تحقيقه من خلاله؛ انطلاقا من تمام الوعي به من داخل المنهج من جهة. وحساسية التعامل به مع النص كجهة تطبيق ورافد ممارسة.
تحاول الرسالة توضيح معالم الممارسة النقدية عند أحد النقاد العرب (عبد الفتاح كيليطو) الذي يستنكف أن يعد نفسه ناقدا ويكتفي مصرّحا باعتبار نفسه قارئا وكاتبا في استبطان صريح يشي بنوع ممارسته النقدية التي ترتسم ملامحها على صفحات كتبه ذات الحجم الصغير والبعد النقدي الذي يفتح آفاق قراءات نقدية متجددة مفتوحة على تعدد قرائي مغرٍ على إمكانات النصّ الكلاسيكي ودلالاته المفتوحة. الكتيّبات التي لا تحرص ولا تَجهد فصولها/ مقالاتها في ذات الآن على تقديم نتائج وفرض مخرجات انطلاقا من مقاربة نقدية واضحة المعالم، لتفتح بذلك النص على فضاء حر من الدلالة اللانهائية قائلا بمتعة النص مستلهما من بارث وغادمير ودريدا اللعب الحر للدال النصي والصوت المرتفع للثقافة فيه والامكان اللامحدود للدلالة مستعينا بلعبة السرد وللعب جديّته في سياق كينونة المعنى. إلى درجة وصفِ قراءته في غالبيّتها بالفريدة تحت مسميات القراءة العاشقة والعالمة. تحاول الرسالة أقصى ما يمكن رصد ملامح الممارسة في شقّها النقدي منعكسة في تجلي الممارسة من جهتي:
أ/ رصيد القراءة الذي استمد منه كيليطو مرجعيّاته وأسس عليه منطلقاته النّظرية التأسيسية لمشروعٍ بدء من البنيوية في مطلع سبعينيات القرن الماضي ليمتدّ مُفيدًا ممّا أثمرته المناهج المعاصرة من تأويلٍ ونظريّة قراءةٍ وتفكيكٍ.
ب/ وكذا الطريقة الفنية التي قدم بها قراءاته متمثلة في شعرية كتابته التي اندغم فيها واختلط السّردي بالنّقد لدرجة اعتاص معها تصنيف بعض مدوناته ككتاب العين والإبرة المنشور تحت تجنيس محاولة نقديّة في أصله باللّغة الفرنسيّة. ليُنشر في ترجمته إلى العربيّة تحت تجنيس الرّواية.
كلّ هذا بغية الوصول إلى الصيغة والتعبير الدقيق لما يمكن أن نصف به على وجه الحقيقة المؤتلف والمختلف في تعامل كيليطو مع التّراث الكلاسيكي السّردي، وما اتّسم به على وجه الخصوص مشروعه النَّقدي الذي ظلّ يطرحه في شكل ممارسات تطبيقيّة ولم يخصَّه بكتابة تنظيريّة مستقلّة.