Résumé:
إنّ الإنسان كائن لغويٌّ يبِين عالم تواصله وتفاهمه مع غيره بالخطاب واللغة اللّذان لا يتحقّقان إلاّ بالدلالة، وعليه راح العلماء قديما على اختلاف توجّهاتهم ومشاربهم، ومن مختلف الأمم الهندية واليونانية والرّومانية والعربية يشقّون طريقهم في البحث في مناهج التفكير الدلالي الذي تحوّل حديثا إلى بنية لسانية يؤطّرها علم قائم بذاته ألا وهو علم الدلالة، الذي يمثّل حلقة أساسيّة من حلقات اللسانيات، وفرعا هامّا من علومها نظرا لأهميّته إبلاغيا وتواصليا وفهما وبيانا، على الرّغم من أنّ الدلالة أو المعنى في اللغة متشعّب ومتغيّر يصعب ضبطه وحصره.
ونظرا لما يكتسيه علم الدلالة من أهمية بالغة في الدراسات اللغوية وغير اللغوية باعتباره غاية الدراسات والعلوم كلّها، بل إنّه قمّة الدراسات جميعا، إذ لا يمكن ألا نتصوّر علاقات علم الدلالة مع فروع علم اللغة المختلفة، بل لا يمكن فصل علم الدلالة عن بقية العلوم الأخرى، ونظرا لما في دراسة موضوعه (المعنى/الدلالة) وحصره من صعوبة في الوقت ذاته، ناهيك عمّا يصيب دلالات الألفاظ من تغيّر وتطوّر بأشكال ومظاهر مختلفة كالتعميم والتخصيص والانتقال من دلالة إلى أخرى، فقد رامت العديد من النظريات الحديثة المختلفة المنهج إلى دراسة موضوعه نازعة نحو تأسيس نظري للمبحث الدلالي العام كالنظرية التصوُّرية والإشارية والسياقية والحقول الدلالية والتحليل التكويني وغيرها، على الرغم من أنّ هذا المبحث لم تكتمل حلقاته بعد، فلا زالت توجد الإضافات العلمية التي تقدّم تأويلات جديدة لظاهرة لغوية تخص الدلالة التي تناثرت قضاياها وتشعّبت في مدوّنتنا التراثية العربية، حيث يسهل التأكّد من ذلك بتفحّص مؤلفات وتصانيف علمائنا القدامى خاصة ما تعلّق منها بغريب القرآن ومجازه، ومعاجم الموضوعات، وغير ذلك مما أبدعته العقول العربية الفذّة منذ زمن بعيد.